إبداعٌ فلسطيني.. ألسنة اللهب رفقة الخشب تنصرُ “حلب”

 إبداعٌ فلسطيني.. ألسنة اللهب رفقة الخشب تنصرُ “حلب”

داخل غرفته الفنية الصغيرة المحاطة جدرانها بالعديد من الألواح الخشبية الفنية ويزين وسطها ميداليات خشبية معلقة، يجلس الفنان محمد أبو العيش أمام لوحته الخشبية وكأنها صفحة بيضاء لينقش عليها بقلمه الخاص “المكوى” حروفه وكلماته، يؤدي بذلك رسالته كان آخرها نصرة لمعاناة أهل حلب في سوريا.

يمتلك الفنان محمد أحمد أبو العيش 26 عامًا موهبة الحرق على الخشب، يشكل منها لوحات خشبية فنية جميلة مزينة حوافها الأربعة بالزخارف، ويغطي مساحتها المتبقية كلمات بلغات متعددة رسالتها بالعربية:”عائد إلى بئر السبع”، “عائد إلى بشيت”، في إشارة إلى حق العودة.

الحرق على الخشب

وخلال حديث “فلسطين الآن” مع الفنان أبو العيش الذي يسكن في حي التنور شرق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، أوضح أنه أحبّ الرسم منذ طفولته بجانب حبّه لمادة الخشب، حيث كانت تملأ الرسومات جدران غرفة بيته القديم، مشيرًا إلى تشجيع أهله ومدرسيه في بداية اكتشاف موهبته.

وقال:”من طفولتي أحب الرسم، وفي بيتنا القديم تجد غرفتي كلها رسومات، وعندما كنت أشاهد الكثير من معارض الفنانين وجدت أن أغلبهم يتجهون إلى الرسم العادي على القماش، ولكني كنت منذ الطفولة أحب الخشب وقصه وتحويله إلى أشكال جميلة”.

وأشار أبو العيش أن الحرق على الخشب فن من أنواع الفنون مثل الرسم بالألوان وفن الآركت الذي يخص قص الخشب بأشكال متنوعة.

ويستخدم في كتابته على الخشب مكوى مخصص للحرق، ويُعتبر أداته في الكتابة ورسم الخطوط على ألواح خشب “الأبلكاج”، موضحًا “هذا المكوى يمنع دخوله على غزة، فأضطر إلى استخدام مكوى للحام القصدير بعد التعديل عليه”.

وتابع بقوله:”الحرق على الخشب فن يحتاج إلى تركيز كبير جدا، والخطأ فيه تخسر اللوحة بأكملها، فالألوان العادية لو أخطأت تستطيع التعديل عليها، ولكن الحرق على الخشب إذا أخطأت فيه تخسر اللوحة”.

وأضاف:”باستخدام المكوى تعمل الذي تريده من رسم شخصيات وكتابة كلمات وعبارات وحروف، وتتطرق إلى أكثر من جانب، والمكوى يعطيك أكثر من درجة لون، وفي ظل وضع الكهرباء التي نعيشها صعب أن تحصل على كل درجات الألوان حيث يأتي اللون حسب قوة الكهرباء وضعفها”.

رسالة سامية بلغات متعددة

واعتبر أبو العيش أن فن الحرق على الخشب بالنسبة له أصبحت رسالة بعد أن كان يعمل بها من مبدأ اقتصادي للظروف الصعبة التي يعيشها القطاع بفعل الحصار تكرار العدوان وإغلاق المعابر، مؤكدًا أنه يخص بتوجيه رسالته للعالم الخارجي.

“لوحة يوم الأسير”، من أكثر اللوحات التي يرتبط بها الفنان أبو العيش كونها أول لوحة فنية نفذها، بالإضافة إلى لوحة “ما على الأرض ما يستحق الحياة” .

وأعد الفنان لوحاته الخشبية الفنية بعدة لغات مختلفة تحتوي ثلاث لغات أساسية هي العربية والعبرية والإنجليزية، وقال:” استخدمت الخط الكوفي في كتابة اللغة العربية وأرسم الخط رسمًا، وكتبت بالعبري والإنجليزي والروسي والياباني والهندي والألماني والتركي واليوناني، كلها بترجمات صحيحة”.

وأضاف:”وحرصت أن يكون الإطار مزخرف بزخرفة إسلامية، وهذه الزخرفة موجودة على المسجد الأقصى، وتواصلت مع شباب من الضفة وصورا لي صور من الزخارف الموجودة على المسجد الأقصى على أبوابه أو أعمدته من الداخل”.

ولفت أن “رسالتي أن ينظر العالم إلى غزة، إلى هذه القطعة الصغيرة، لشبابها وأطفالها ونساءها وشيوخها، ينظر لثلاثة حروب خضناها، ينظر لمعبر مغلق، لجرحى لأسر شهداء، لحصار، لكهرباء، لمستقبل ، لمعاناة كبيرة، للأطفال التي تموت لأن معبر رفح مغلق، ينظر أن فلسطين بلادنا وسنعود إليها يوم من الأيام”.

ونوّه أنه لاقى انتقادات في الكتابة باللغة العبرية، مؤكدًا أن “فكرتي أن أوصل رسالة للعالم بأننا سنعود إلى بلادنا بأسمائها الفلسطينية وليس بأسمائهم التي يكتبونها في شوارعهم، ورسالة هذه اللغات للعالم الخارجي لأننا سئمنا من مناشداتنا للعالم العربي”.

“حلب تحترق”، كانت هذه آخر اللوحات التي خطها أبو العيش تضامنًا مع أهل حلب، وقال:”عشنا الظروف التي تعيشها حلب، عشنا حروب وانتفاضات ونعلم ماذا يجري من أحداث حتى ولم لم نر صور، ونعلم ماذا يعني أن ينزل برميل متفجر على بيت سكني وتمسح العائلة من السجل المدني”.

معوقات وطموحات

وأكد الفنان أبو العيش أن أكبر المعوقات التي يواجهها في رسالته الفني الانقطاع المستمر للتيار الكهربي بسبب اعتماد عمله على الكهرباء بشكل كامل، وقال:” كل يوم صرنا نحلم نشوف الكهرباء، محتاج وقت أطول في الشغل لأن شغلي كله على الكهرباء”.

وأضاف:”طموحي أن يفتح معبر رفح ورسالتي تصل للعالم وأشارك في معارض خارج قطاع غزة، وكذلك لإدخال المواد اللازمة من المكوى اللازم للعمل وكذلك خشب الأبلكاج المناسب”، متمنيًا أن يعمل معرض خاص داخل قطاع غزة.

وختم أبو العيش حديثه بشكر كل الداعمين له في مسيرته الفنية بداية بوالديه وأهله وأعمامه وأصدقائه، وخص بالذكر الأسير المحرر جمال النوري “من أكثر الأشخاص الذين شجعوني وحببوا إليّ هذا العمل بالذات الكتابة باللغة العبرية، وترجم لي كتابات وقصائد كبيرة”.

طارق

https://ourdailyknocks.com

نحن الذين نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا فنرسم طريقًا للجمال ونرتقي سببًا في سماء الإبداع ونمتطي صهوة الابتكار، أجيال هُمشت على مدى التاريخ لكنها لم تمل من طرق جدران الخزان كي ما يسمع العالم إنجازها ويشهد لها بالتألق في ميادين العطاء..

طرقات مشابهة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *