المفكر والكاتب إدوارد سعيد المدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني

 المفكر والكاتب إدوارد سعيد المدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني

France, Paris, 1996 Portrait of Edward Said, Palestinian writer. France, Paris, 1996 Portrait d’Edward Said, Ècrivain palestinien. Eric Mulet / Agence VU

ولد إدوارد وديع سعيد في مدينة القدس المحتلة في الأول من تشرين الثاني العام 1935، وهو مُنظّر أدبي فلسطيني وحامل للجنسية الأمريكية، وكان أستاذًا جامعيًا للغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية، ومدافعا عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

عاش إدوارد سعيد لغاية عمر (16 عامًا) متنقلا بين القاهرة والقدس، ثم انتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1951 بعد طرده من المدرسة نظرًا لشقاوته، وتلقى تعليمه في جامعتي برنستون وهارفارد في الولايات المتحدة.

عام 1977 أصبح إدوارد سعيد أستاذًا مساعدا للغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا، وفي وقت لاحق أستاذ للسلطنات القديمة وتأسيس حقوق الإنسان.

وعمل سنة 1979 كأستاذ زائر في جامعة جونز هوبكينز، وكأستاذ زائر في جامعة ييل، وحاضر في أكثر من مئة جامعة، فيما حصل سنة 1992 على منصب أستاذ جامعي وهو أعلى درجة علمية أكاديمية في جامعة كولومبيا.

كما عمل إدوارد سعيد كرئيس لجمعية اللغة الحديثة، ومحرر في فصلية دراسات عربية، وعضوًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، وعضو تنفيذ في نادي القلم الدولي والأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب والجمعية الملكية للأدب والجمعية الأميركية للفلسفة.

دعى عام 1993 لإلقاء محاضرات في البرنامج الإذاعي السنوي لدى BBC، كما كان ينشر بشكل دوري مقالات في دورية The Nation وصحيفة الجارديان، ومجلة London Review of Box، وصحيفة “ليموند ديبلوماتيك”، وصحيفة “كونتربونش”، وصحيفة الأهرام، وصحيفة الحياة.

بالإضافة إلى كونه ناقدًا أدبيًا مرموقًا، فإن اهتماماته السياسية والمعرفية متعددة واسعة تتمحور حول القضية الفلسطينية والدفاع عن شرعية الثقافة والهوّية الفلسطينية، وعن عدالة هذه القضية وحقوق الشعب الفلسطيني.

كما تتركز اهتماماته والموضوعات التي يتناولها على العلاقة بين القوة والهيمنة الثقافية الغربية من ناحية، وتشكيل رؤية الناس للعالم وللقضايا من ناحية أخرى. ويوضح إدوارد سعيد هذه المسألة بأمثلة عديدة وبتفاصيل تاريخية في مسألة الصهيونية وترعرعها في الغرب، ونظرة الغرب إلى العرب والإسلام والمسلمين وثقافات العالم الأخرى.

ويشرح إدوارد سعيد كيف أن الإعلام الغربي والخبراء وصنّاع السياسة الغربية والإمبريالية الثقافية الغربية تتضافر كلها لتحقيق مصالح غربية غير عادلة في نهاية المطاف، وذلك عن طريق إيجاد خطاب غربي منحاز ثقافيًا إلى الغرب ومصالحه.

أغنى إدوارد سعيد الساحة الفكرية العربية والعالمية بكتبه، ويبقى كتابه “الاستشراق” الذي ألفه عام 1978 من أهم الكتب التي أعطته بُعدًا عالميًا، فقد أثار ضجة واسعة وجدلاً كبيرًا في كثير من الأوساط العلمية والأكاديمية العالمية.

وقد عمد فيه إلى تفكيك وخلخلة نظرة الغرب إلى الشرق، ودحض الصورة النمطية التي اعتمد فيها المستشرقون على دارسات ومفاهيم قامت على أسس غير علمية.

وكشف في الكتاب علاقة الدراسات الغربية حول الشرق بالسلطة والنزعات السياسية، والاستثمارات الكبيرة التي خصصت لها، وكيف أصبح الاستشراق مذهبًا فكريًا – له خلفية سياسية – أنتج صورة عن الآخر (الشرق) برغبة تسلطية تحكمية استعمارية.

وبيّن كيف أثّر ذلك المذهب في تشكيل الوعي الغربي، وخلق انطباعًا سيئًا لدى المتلقي الغربي عن الشرق ونظرةً سلبية مليئة بالتعصب على العرب والإسلام.

وبعكس ما اعتقده البعض، لم يتخذ إدوارد سعيد موقع الدفاع في كتابه، بل موقع المنتقد الكاشف لخطأ الغرب في مقاربته ورؤيته للشرق، وطرح مقاربة جديدة تسهم في ردم الهوة بين الشرق والغرب، من خلال احترام التعددية الثقافية وربط المعرفة بالنزعة الإنسانية بدل النزعة التسلطية الأيديولوجية.

ولأجل ذلك كان يوجّه الطلبة العرب إلى دراسة تاريخ الأمم والحضارات الأخرى، ويحثهم على عدم الاقتصار على معرفة تاريخهم فقط.

ألّف سعيد أكثر من عشرين كتابًا، من بينها:

  • جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية (1966)
  • بدايات: القصد والمنهج (1975)
  • الاستشراق (1978)
  • مسألة فلسطين عام (1979)
  • بعد السماء الأخيرة (1986)
  • متتاليات موسيقية عام (1991)
  • الثقافة والامبريالية(1993) والذي يعتبر تكملة لكتابه الاستشراق
  • سياسة التجريد (1994)
  • تمثلات المثقف (1994)
  • غزة أريحا: سلام أمريكي (1995)
  • أوسلو : سلام بلا أرض (1995)
  • تعقيبات على الاستشراق (1996)
  • تأملات من المنفى
  • خارج المكان (سيرة ذاتية)
خارج المكان.. إدوارد سعيد

وفي الحديث عن القضية الفلسطينية فيعتبر كتاب ‘القضية الفلسطينية’ لمؤلفه إدوارد سعيد كتابًا جيدًا ومفيدًا لا يقل في أهميته عن كتاب ‘الاستشراق’. وهو الكتاب الذي حقق الشهرة لهذا المفكر الأمريكي ذي الأصول الفلسطينية، والذي كان يدرّس الأدب المقارن في جامعة كولومبيا. كما يضع هذا الكتاب إحدى ‘وجهات النظر الفلسطينية’ القليلة حول تاريخ فلسطين بين يدي الثقافة الغربية.

ولا يزال هذا الكتاب، الذي نُشر قبل حوالي عشرين عامًا، يعرض جوانب وموضوعات متميزة تستحق الدراسة والتمحيص. كما يتيح هذا الكتاب لنا أن ننظر بعمق إلى الجذور التاريخية التي تقف وراء ما يحصل على أرض فلسطين في هذه الأيام، من حيث الفشل الذريع الذي لحق باتفاقيات أوسلو، ووساطة الولايات المتحدة الأمريكية في العملية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واندلاع الانتفاضة الثانية التي تسعى إلى تحقيق الاستقلال التام للشعب الفلسطيني، وتدمير ما تبقى من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية بعد أربعين عامًا من سني الاحتلال العسكري، وتقويض منجزات السلطة الوطنية الفلسطينية، والمجازر التي لا تكاد تنتهي بحق اليهود، وقبلهم الفلسطينيين.

وأظن أن ما يجعل كتاب ‘القضية الفلسطينية’ لإدوارد سعيد ذا قيمة لا يستهان بها هو محاولته إعادة وضع ‘قضية فلسطين’ في سياق المنظور الفلسطيني – وليس إلى المنظور العربي أو الإسلامي العام – والانطلاق من نقطة بداية الأحداث: والتي تتمثل بولادة الحركة الصهيونية، وبثّ أيديولوجيتها في سياق الثقافة الاستعمارية الأوروبية في نهاية القرن التاسع عشر من القرن الماضي وتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين. وفي نفس الوقت، يعرض سعيد في كتابه نبذة موجزة حول تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث يقدم عرضاً شاملاً حول الخصائص الديموغرافية والاجتماعية التي يتميز بها هذا الشعب.

وكما يقول المؤلف، يتعين علينا أن ننطلق من هذه العناصر إن كنا نريد ‘أن نفهم’ القضية الفلسطينية. وبالتوازي مع الاقتراح المنهجي، تعني عبارة ‘أن نفهم’ أن نُلقي الضوء على التواصل التاريخي والأيديولوجي الذي يربط عدداً ضخماً من الأحداث مع بعضها البعض ضمن سلسلة طويلة تشمل الموجات الأولى من الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، وتأسيس دولة إسرائيل، وتوسعها الإقليمي المتزايد، وتشريد الشعب الفلسطيني عام 1948، وإنكار الهوية الجماعية للفلسطينيين (من قِبل الإسرائيليين والعرب على حد سواء)، والاحتلال العسكري لجميع الأراضي الفلسطينية، والانتفاضتين الأولى والثانية، والتفجيرات الانتحارية الإرهابية التي تعبّر عن أحد أكثر أشكال الوطنية الفلسطينية الراديكالية.

ومن خلال جمع عدد كبير من الوثائق وتفسيرها بلغة قوية، يتضح لنا أن سعيد يصرّ على مسألة مهمة. فبين القرنين التاسع عشر والعشرين حينما كانت القوى الأوروبية – وعلى رأسها إنجلترا – تعمل على تحديد مصير فلسطين وتشجع الحركة الصهيونية على احتلالها، لم تكن فلسطين صحراء لا سكان فيها. بل على العكس من ذلك، كانت فلسطين بلداً عامراً بمجتمع مدني ذي كيان سياسي يناهز عدد أفراده 600,000 نسمة، كانوا يعيشون في هذه الأرض بصورة شرعية لقرون خلت.

كُرِّم إدوارد سعيد عشرات المرات، ومنح العضوية في عدد من المؤسسات المرموقة، كما حصل على شهادات فخرية من جامعات عالمية.

وحصل على جوائز عديدة منها “جائزة بودين” من جامعة هارفرد، وجائزة ليونيل تريلينغ، وجائزة ويليك من الجمعية الأميركية للأدب المقارن، وجائزة سبينوزا، وجائزة أمير أستورياس.

حوار مع البروفيسور العربي إدوارد سعيد 1987 | إذاعة تابو عرب /Tarhttps:/.youtube.com/watch?v=rRK42BsK_PQ

توفي إدوارد سعيد في إحدى مشافي نيويورك صباح 25 سبتمبر/أيلول 2003 عن عمرٍ ناهز سبعةً وستين عامًا بعد صراعٍ لنحو عشرة أعوامٍ مع مرض ابيضاض الدم الليمفاوي المزمن (اللوكيميا)، وقد أوصى أن ينثر رماده في دولةٍ عربيةٍ واختار لبنان ونقل رماده في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2003 إلى مقبرة برمّانا الإنجيلية في جبل لبنان بحضور شقيقته روزماري سعيد زحلان، وزوجته مريم وولديه نجلاء ووديع وبعض الأصدقاء المقربين بناءً على وصيته.

صورة نادرة تجمع إدوارد سعيد مع زوجته مريم
صورة نادرة تجمع إدوارد سعيد مع زوجته مريم

المصادر

طرقات مشابهة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *