فلسطيني يجسّد القلم والإزميل والريشة واللحن والصوت في لوحة إبداعٍ فريدة
كثيرون هم من يتقنون واحدة من الفنون الإبداعية كالخط أو الرسم أو النحت، ومثلهم أولئك ممّن يمتازون بجمال الصوت أو القدرة على التلحين، لكن قليلون جدا هم أولئك الذين يجيدون ممارسة كل هذه الفنون مجتمعة سوية.
الفلسطيني أشرف سعد هو واحد من هؤلاء القلة الموهوبين، يمتلك ريشة فنان مبدع وبوصة خطاط محترف وإزميل نحات صبور وصوت عندليب عذب، استطاع رغم قلة الإمكانيات وندرة المشجعين أن يشق طريقه نحو النجاح والتميز في حال إبداع خاصة.
في معمل النحت الصغير خاصّته في قرية المزرعة غرب مدينة رام الله (شمال القدس)، بدأ سعد بالحديث لـ “قدس برس” عن بداية اكتشاف مواهبه؛ فقال “قبل تسع سنوات وعندما كنت طالبا في المرحلة الإعدادية، اكتشفت أنني امتلك موهبة الخط الجميل والرسم، وبقليل من تشجيع ودعم الأصدقاء والأهل، نمت عندي هذه الموهبة، ثم بدأت أتوسع في إطارها واطلع على تجارب الآخرين وأحاول تقليدهم”.
ويكمل سعد (22 عاما) وهو منهمك بنحت لوحة للمسجد الأقصى “بعد ذلك وعندما وصلت المرحلة الثانوية شاركت في عدة مسابقات خاصة بالخط العربي نظمتها وزارة التربية والتعليم، حصلت خلالها على المرتبة الأولى لعامين متتاليين على مستوى مدارس الضفة الغربية”.
ويتابع “بعد أن أنهيت الثانوية العامة ولم أوفق بالالتحاق بإحدى الجامعات، قررت الانتقال من الاكتفاء بممارسة الخط كهواية إلى مهنة اعتاش منها، وبالفعل بدأت أشق طريقي في هذا المضمار رغم كثرة المنافسين والمحبطين”.
وعن الفنون التي يتقنها، يشير سعد لمراسل “قدس برس” إلى أنه يجيد الخط العربي بجميع أنواعه وأشكاله؛ “الرقعة والنسخ والديواني والثلث والفارسي والكوفي” وجميع تفرعات هذه الخطوط، إضافة إلى الرسم الزيتي والرسم على الزجاج والرسم باستخدام الفحم، فضلا عن مقدرته على رسم الوجوه والمناظر الطبيعية والتراثية والزخارف الإسلامية المختلفة.
في هذه الأثناء يتوقف سعد عن العمل قليلا ليحتسي فنجانا من الشاي بعد أن نفض الغبار الذي علق بملابسه وشعره فجعل منه شيخا كبيرا شاب رأسه قبل أوانه، قائلا “أتقن أيضاً النحت على الحجر والجبس والخشب والجرانيت والشايش بأنواعه الحفر الداخلي والبارز والنافر كتابة ورسماً، هذه الأنواع من النحت أتقنتها بغير مساعدة أو تعليم من أحد.. السوق فرض عليّ ذلك.. لا أستطيع رد أي زبون.. المحاولة والتعلم من الأخطاء كان شعاري الذي لا زلت ارفعه حتى هذه اللحظة، أما كلمة لا أعرف فلا توجد في قاموسي”.
التلحين والغناء
ولم تتوقف الفنون التي يتقنها سعد عند هذا الحد، بل يمتاز كذلك بجمال الصوت نشيداً وتلاوة للقران على المقامات السبع: الرست والسيكيا والنهوند والبيات والكرد والعجم والحجاز، لافتا إلى انه يحمل شهادة في المقامات الصوتية أخذها عن أستاذ مختص في ذلك.
ويتابع “بعد أن أُنهي عملي في ساعات المساء أتوجه إلى منزلي وآخذ قسطا من الراحة، بعدها أذهب إلى مسجد القرية لأعلم بعض الأولاد تلاوة وتجويد القران الكريم”.
وعن تجربته في مجال التلحين، أوضح سعد أنه دخل هذا المضمار قبل حوالي خمسة أعوام وكانت له بعض المحاولات، حيث قام بتلحين أربعة أناشيد، هي “قرآن ربي رحمة للعالمين” على مقام “الكرد”، وأنشودة “يا مرشداً قاد بالإسلام إخواناً” من كلمات الشيخ يوسف القرضاوي، وأنشودة “ليس الغريب غريب الشام واليمن” على مقام “البيات”، وأنشودة “الفرقان” التي تتحدث عن الحرب الأخيرة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة وهي من كلمات الأسير الكاتب وليد خالد وعلى مقام “الحجاز”.
أما عن الاختلافات بين هذه المقامات، فيلفت سعد إلى أن لكل مقام سماته الخاصة التي تطرب الأذن عند سماعه، فبعض المقامات تصلح للكلمات الحزينة كمقام الصبا والنهوند والكرد، وأخرى مناسبة للأفراح والمناسبات السعيدة كمقام “العجم” والذي يستخدم غالبا عند تلحين المدائح النبوية أيضا.
عقبات وتحديات
وفي المقابل، يستعرض سعد بعض المشاكل التي يواجهها أثناء عمله، ومن أبرزها عدم تقدير الزبائن لجهده وإبداعه، وبالتالي عدم سداده أجرته أو اقتطاع جزء منها.
ويشكو سعد أيضاً من عدم توفر آلات ومعدات الحفر والنقش والرسم في الأسواق المحلية، وفي حال توفرها تكون مرتفعة الثمن خاصة الأصلية منها، إضافة إلى النقص الحاد في قطع الغيار عند تلف أو تعطل الأصلية، إضافة إلى عجزه عن توظيف مساعدين له وهو ما يجعله ينفذ جميع الأعمال من الألف إلى الياء بمفرده.
بعض أعماله
وتظهر أعمال سعد بشكل واسع في مدينة رام الله والقرى المجاورة لها، خاصة في المساجد الجديدة والفلل والقصور التي تعود ملكيتها للمغتربين والأثرياء، ويختص سعد في مجال نحت شواهد القبور وكتابة آيات قرآنية على مداخل المنازل وتخطيط لوحات المحال التجارية والهدايا التذكارية والدروع التقديرية، ويعلق قائلا “من المفارقات التي تحصل في عملي أنني أنحت أسماء أصحاب منازل الآخرة (في إشارة للقبور) ومنازل الدنيا، ولو أن الصنف الأخير يتذكر مقامه لأعد العدة لذلك اليوم.
مواهب امتدت إلى داخل المعتقل
لم يشكل اعتقال سعد في سجون الاحتلال بداية العام الماضي، عائقاً أمام مواصلة ممارسة هذه الفنون، رغم قلة الإمكانيات والمواد المتوفرة داخل السجن؛ فتراه حيناً مأذنا ينادي للصلوات الخمس ويصلي بالأسرى؛ فيتلو القرآن بصوت جميل تخشع له القلوب، وتراه أحيانا أخرى ينشد ويغني لهم ويضرب لهم “المواويل” ليخفف عنهم جزءا بسيطاً من معاناتهم.
ويشير سعد في حديثه لـ “قدس برس”، إلى أنه كان يقوم بين الفترة والأخرى بإعطاء دورات خاصة بفنون الخط العربي والزخارف داخل الأسر، إضافة لتخطيط ورسم لوحات خاصة بالأسرى والشهادات التي تمنح لهم عند نجاحهم في الدورات المتنوعة.
كما كان يتخذ من الصابون ونواة الخضار والفواكه مادة خام للنحت عليها وتحويلها إلى تحف وهدايا يرسلها الأسرى لذويهم، إضافة لعمل بعض المطرزات والأشغال اليدوية المتنوعة.
ويتابع “في السجن كان هناك نقص في الخيطان وعدم توفر الكثير من الألوان وهو دفعني أكثر من مرة لنسل خيوط بعض الملابس القديمة لأعيد استخدامها في أعمالي”.
طموحات وآمال
ويطمح سعد لإنشاء معرض ومعمل آخر أكبر من معمله الحالي يكون مقرا له يتواصل من خلاله مع الزبائن ومنطلقا للتصدير خارج فلسطين والمناطق المحتلة عام 1948، ويتمنى أيضا إنشاء نقابة للخطاطين والنحاتين الفلسطينيين تقوم برعاية مصالحهم أسوة ببقية المهن والحرف والتخصصات.